العقبة مدينة جميلة تحرس خاصرة الوطن الجنوبية ، كانت وما زالت مهوى افئدة الكثير من الباحثين عن بعض البحبوحة المالية ، ما أن تستنطقها حتى تفتح لك سجل الذكريات عن الميناء والعمال ورحلة التعب الطويلة التي غالبا ما تنتهي إلى أحاديث عن روح العقبة التي يعشقها البعض حتى الجنون ، ولكنها تجد أيضا من يرى أنها تغتال روحه وتسجنه بجغرافيتها الفريدة.
تعيش العقبة الآن حالتين من التوصيف ، الأولى: العقبة بإطارها البسيط الذي سبق قيام مشروع المنطقة الخاصة ، والثانية: الشكل الجديد والمتمثل بالمنطقة الاقتصادية الخاصة ،والذي أحدث تغييرا نوعيا انعكس على قاطنيها سلبا في بعض الجوانب وإيجابا في جوانب أخرى.
ففي وقت يرى البعض أن عقبة ما قبل المنطقة الخاصة ، كانت وادعة لا يكتنفها هذا الضجيج المفتعل الذي نرى تفاصيله يوميا،وميناؤها كان عنوانا للعنفوان الوطني بهدير آلياته وحركة عماله الدؤوبة ، والتي أصبحت الآن مجرد ذكريات يجترُّها الآسفون على الزمن الماضي، يرى آخرون أن العقبة تعيش الآن مرحلة زاهية من التطور في كل جوانب الحياة ، ويذهب أنصار هذا الإتجاه إلى أن هذه المدينة أصبحت مقصدا سياحيا أساسيا ، خاصة بعد حملات التسويق العديدة في مختلف أرجاء العالم،وأن الحالة الاستثمارية ستكون العنوان الرئيس لمدينة تحمل كافة مؤهلات الجذب الاقتصادي والسياحي، وما بين هذا الاتجاه وذاك يتوزع الناس ما بين مادح وذام ، وإن كانت نسبة التذمر هي السمة الغالبة عند أصحاب الإتجاه الأول للأسباب التالية:
أولا : الضبابية التي تكتنف العديد من المشاريع الاستثمارية ، كمشروع مرسى الشيخ زايد( ميناء العقبة سابقا ) ، ومشروع تلال النخيل ، ومشاريع أخرى أصبحت تربة خصبـة للشائعات ،فقائل يقول: أن الاستثمار في اضمحـلال ،وإن ما نراه ليس إلا تغطية على فشل المشروع برمته ، وآخر يرى أن مقتل الاستثمار في العقبة هو في الجهات التي يفترض أن تحرص على شرح ملامحه بشكل لائق ومقبول للمستثمر والمواطن على حدٍ سواء ، وفي هذا اشارة لمفوضية العقبة التي فقدت بوصلة التواصل مع المواطن وبالتالي ربطه بمعـادلات التنمية ، وضعف قدرتها على تحديد الأدوار التي من شأنها تهيئة المواطن لقبول ما يجري على الأرض بشكل سلس.
ثانيا : غض الطرف أو التهوين من الأثار الجانبية التي تقع على المواطن جرَّاء بعض الحالات الاستثمارية ، وهذا واضح في مشروع مرسى الشيخ زايد ، حيث يترتب على البدء بهذا الاستثمار اخراج ما يقرب من (170) عائلة من مساكنهم الوظيفية في موعد أقصاه نهاية شهر حزيران، ودون أن يكون هناك إجراء واضح يضمن لهؤلاء الأمن الوظيفي الذي يمكّنهم من مزاولة عملهم بشكل طبيعي.
ثالثا : الشكل الارستقراطي الذي تحيط مفوضية العقبة نفسها به، فالبرغم من المطالبات الشعبية العديدة لإعادة هيكلة العمل الوظيفي في المفوضية ليغدو مستساغا ومقبـولا شعبيـا ، نجد إصرارا وإمعانـا في السيـر في نفس الخطوات ،الأمر الذي سيوسع الهوة بين المواطن والمفوضية، والذي سينعكس سلبا على ما نطمح اليه في هذه المدينة.
رابعا : يطرح البعض أن مفوضية العقبة وبدلا من الكثيـر من مصاريفها الترفيـة ، كان من الأجدى بها التفكير بإنشاء إذاعة محلية أو محطة تلفزيونية تُعنى بشؤون المنطقة الخاصة ، ولتكون نافذة لتسويق هذه المدينة وطنيا وعالميا بحلتها الجديدة ، أو من باب أضعف الإيمان دعم برنامج تلفزيوني أسبوعي خاص بالعقبة يتناول الهموم الاستثمارية والاقتصادية والاجتماعية فيها.
خامسا : الفوضى العارمة التي تغمر المدينة بدءأ من مساء الخميس إلى مساء السبت من كل أسبوع، نتيجة للأعداد الهائلة من الزوار الذين يفترشون الأرصفة وتضيق بهم جنبات الطرق ، فبالرغم من الجهود المضنية التي يبذلها رجال الأمن لضبط حركة الناس والسيارات ، نجد ان المفوضية وشركة تطوير العقبة تقف موقف المتفرج ، ولا تبادر إلى دراسة واقعية لوسط البلد وإعادة هيكلة المناطق التي تشهد ازدحاما غير مبرر ، ومن باب الأمانة لا بد من ذكر بعض الإجراءات التي بادر بها رئيس المفوضية بعد استلامه لمهام عمله بتوسعة عدد من الشوارع الرئيسية ، ولكن واقع الحال يحتاج إلى خطوات متصلة تواكب ما تراه المفوضية تطورا مضطردا في المدينة.
سادسا : الحاجـة إلى سياسة الباب المفتـوح وفتح القنوات بين المفوضية والمواطن ، مما سيسهم في إلغاء الفكرة السائدة الآن بأن ما يجري في أروقة المفوضية يجري ضمن كولسات بمعزل عن هموم الواقع والحراك الشعبي الذي يجب أن يُمثل تمثيلا حقيقيا عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية ، ومما يجدر ذكره والإشادة به الخطوة المتقدمة لرئيس المفوضية عندما نشر رقم فاكسه ليسهل الاتصال به بعيدا عن البرتوكول القاسي الذي يجابهك فيما لو فكرت بزيارة لمبنى المفوضية، وحبذا لو أن الرئيس أن يدعم هذه الخطوة بخطوة أخرى أكثر جدوى وأهمية ، وذلك من خلال تنظيم لقاء شهري مُنتظم مع النُخب الاقتصادية والاجتماعية ، لمناقشة ما يستجد على واقع المدينة ،والتفكير بشكل جمعي لتلافي السلبيات قبل أن تصبح ظواهر مزعجة ، وتعظيم الإيجابيات لتكون حافزا لصياغة معادلة التنمية على نحو يخدم تحقيق أهداف المنطقة الخاصة.
إن الحديث عن العقبـة وهمومهـا لا يراد منه امتهان عملية النقد لمجرد النقد، بل يُهدف منه الوقوف ملياً عند السلبيات التي تعترض الأفكار التي نريد غرسها في أرض الواقع ، وكذلك استشراف المستقبل لتكون خطواتنا منسجمة ومتناسقة مع طموحاتنا المسقبلية ، التي نحرص جميعا على إيجاد الفرص والبيئة المناسبة لتحقيقها وتنفيذها كما يجب أن تكون.
الثلاثاء يونيو 02, 2009 10:18 am
