السبب الثاني: الاستغفار والتوبة
ومن الأسباب التي تجلب الرزق الاستغفار والتوبة، يقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].
يقول القرطبي رحمه الله: ) في هذه الآية والتي في هود دليلٌ على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار ) أهـ.
ويقول ابن كثير رحمه الله: ( أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الارض، وأنبت لكم الزرع، وأدرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخلَّلها بالأنهار الجارية بينها ) أهـ.
وقد روى مطرف عن الشعبي أن أمير المؤمنين عمر خرج يستقي بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فقيل له: ما سمعناك استقيت. فقال: طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر – أي المطر – ثم قرأ: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً .
وشكا رجل إلى الحسن البصري الجدب، فقال له: ( استغفر الله )، وشكا آخر الفقر، فقال له: ( استغفر الله ). وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: ( استغفر الله ). وشكا إليه رجلٌ جفاف بستانه، فقال له: ( استغفر الله ). فقالوا له في ذلك: أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار. فقال: ( ما قلتُ من عندي شيئاً، إن الله تعالى يقول في سورة نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً .
ويقول تعالى عن هود أنه قال لقومه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود:52].
يقول ابن كثير: ( أمر هود عليه السلام قومه بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة وبالتوبة عما يستقبلون، ومن اتصف بهذه الصفة يسَّر الله عليه رزقه، وسهَّل عليه أمره، وحفظ شأنه ) أهـ.
ويقول تعالى أيضاً: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:3].
ففي هذه الآية وعد الله تعالى من استغفر إليه وتاب ورجع بالمتاع الحسن، وهو سعة الرزق ورغد العيش، ورتَّب ذلك على الاستغفار والتوبة ترتيب الجزاء على شرطه.
وقال : { مَن أكثر الاستغفار جعل الله له من كل همَّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب } [رواه أحمد وأبو داود وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر].
والاستغفار – أخي الحبيب – الذي يجلب الرزق ويزيده ويبارك فيه، والذي يترك أثره في النفس ويؤدي مقصوده، هو الذي يواطئ فيه القلب اللسان، ويكون صاحبه غير مصرٍّ على ذنبه. أما المستغفر بلسانه وهو متشبث بذنبه مقيم عليه، مصرٌّ عليه بقلبه فهو كاذب في استغفاره، ولن يكون لاستغفاره فائدة أو ثمرة.
فإن كنتَ ترغب في سعة الرزق ورغد العيش فسارع إلى الاستغفار بالقول والفعل، واحذر من الاقتصار على الاستغفار باللسان وحده، فإن هذا فعل الكذابين.